Photobucket
Headlines News :
Home »
» 6- الحسابات الفلكية وإثبات شهر رمضان

6- الحسابات الفلكية وإثبات شهر رمضان

Written By Pelatihan blog on Sabtu, 21 Januari 2012 | 02.44

أما إذا عدنا ثانية للمعنى اللغوي لكلمة ( فاقدوا له ) نجد أن هذه العبارة ذاتها وردت في حديث الرسول ( ص ) الذي يتحدث فيه عن الدجال, و يخبر فيه ( ص ) أن اليوم الواحد سيطول و يمتد حتى يصبح كالسنة أو كالشهر أو كالأسبوع. و عندما سأله الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين عن كيفية معرفة أوقات الصلوات الخمس, أجاب
( ص ) بنفس العبارة السابقة ( فاقدوا له ) بمعنى فاحسبوا لها.
هذه العبارة في الحديث لا يمكن أن تعني بحال من الأحوال أكملوا العدة تسعةً و عشرين أو ثلاثين يوماً, لكنها بالتأكيد تعني الحساب و التقدير. و هنا نورد الحديث:

"حدثنا صَفْوَانَ بنُ صَالحٍ الدِّمَشْقِيُّ المُؤَدِّن أخبرنا الْوَلِيدُ أخبرنا ابنُ جَابِرٍ حدَّثني يَحْيَى بنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ عن عَبْدِ الرَّحْمٰنِ بنِ جُبَيْرٍ بنِ نُفَيْرٍ عن أبِيهِ عن النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ الْكِلاَبِيِّ ، قال: «ذَكَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ فقالَ: إنْ يَخْرُجْ وأَنَا فِيكُم حَجِيجُهُ دُونَكُم وَإِنَّ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُم فامْرُؤٌ حَجِيجٌ نَفْسُهُ، وَالله خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَمنْ أدْرَكَهُ مِنْكُم فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ بَفَواتِحِ سُوَرَةِ الْكَهْفِ فإنَّهَا جِوَارُكُم مِنْ فِتْنَتِهِ. قُلْنا: وَمَا لَبْثُهُ في الأرْضِ. قالَ: أرْبَعُونَ يَوْماً، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمْعَةٍ، وَسَائِرُ أيَّامِهِ كَأَيَّامِكُم. فقُلْنا: يَا رَسُولَ الله هٰذَا الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةَ يَوْمِ وَلَيْلَةٍ؟ قال: لاَ، أقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ".

«ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك في وجوهنا، فسألناه، فقلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال الغداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل؟ قال: غير الدجال أخوف مني عليكم، فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب جعد، قطط، عينه طافية، وأنه يخرج خلة بين الشام والعراق، فعاث يميناً وشمالاً، يا عباد الله اثبتوا، قلنا: يا رسول الله ما لبثه في الأرض؟ قال: أربعين يوماً، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي هو كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم وليلة؟ قال: لا، أقدروا له قدره".

"عَنْ النَّوَّاسِ بن سَمْعانَ الكِلاَبِيِّ قالَ: «ذَكَرَ رَسُولُ الله الدَّجَّالَ ذَاتَ غَداةٍ فَخفَّضَ فيهِ وَرَفَّعَ حتى ظَنَنَّاهُ في طَائِفَةِ النَّخْلِ، قَالَ فانْصَرَفْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ الله ثم رَجَعْنَا إِلَيْهِ فَعرَف ذَلِكَ فِينَا، فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ الله ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ الغَدَاةَ فَخفَّضْتَ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ في طَائِفَةِ النَّخْلِ قَالَ: غَيْرُ الدَّجّالِ أَخْوَفُ لِي عَلَيْكُمْ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجيجُ نَفْسِهِ، وَالله خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ قَائِمةٌ شَبِيهٌ بِعَبْدِ العُزَّي بنِ قَطَنٍ، فَمَنْ رَآهُ مِنكُمْ فَلْيَقْرَأْ فَوَاتِحَ سُورَةِ أَصْحَابِ الكَهْفِ. قَالَ: يَخْرُجُ مَا بَيْنَ الشَّامِ وَالعِرَاقِ فَعَاثَ يَميناً وَشِمَالاً، يَا عِبَادَ الله الْبَثُوا. : قلْنَا يَا رَسُولَ الله وَمَا لَبْثُهُ في الأَرْضِ؟ قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْماً يوم كَشَهْرِ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَامِهِ كَأَيَّامِكُمْ . قَالَ قَلْنَا يَا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ اليَوْمَ الَّذِي كالسَّنَةِ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلاَةُ يَوْمٍ؟ قَالَ لاَ، وَلَكِنْ اقدُرُوا لَهُ".

لهذا فإن تفسير عبارة ( فاقدوا له ) على أنها احسبوا أو عدوا للشهر, أو احسبوا منازل القمر هو أكثر مناسبة من التفسيرين الآخرين.
لذلك قبل بعض العلماء المعروفين في المدارس الفقهية الثلاثة الحسابات الفلكية في إثبات شهر رمضان في حالة الإغمام.
هناك حديث مفرد عن حماد أن ابن عمر روى عن النبي ( ص ):

"حدثنا سُلَيْمانُ بنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ أخبرنا حَمَّادٌ أخبرنا أيُّوبُ عن نَافِعٍ عن ابن عُمَرَ ، قال قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ. فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلاَثِينَ".

رواية حماد هذه هي الرواية الوحيدة التي تورد عبارة ( اقدروا له ثلاثين ) بدلاً من (فاقدروا له ) كما ذكرنا سابقاً. والرواية هذه وصلت إلينا عن طريق راو واحد فقط لهذا لا يمكن أن تقف ضد الروايات المتعددة لابن عمر عن نافع ( السلسلة الذهبية ) كما يسميها علماء الحديث. الفقيه الحنبلي الشهير ابن قدامه المقدسي لاحظ ما يلي:

"وَرِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ : " فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ " مُخَالِفَةٌ لِلرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا , وَلِمَذْهَبِ ابْنِ عُمَرَ وَرَأْيِه".ِ

لقد ناقش الفقيه الشافعي المعروف الإمام تاج الدين السبكي هذه المسألة المتعلقة بالحسابات الفلكية و فصل فيها, و رفض رفضاً تاماً و نهائياً حتى الشهود العدول إذا ما كانت الحسابات الفلكية الصحيحة تنكر احتمال رؤية القمر فقال: " وَهَهُنَا صُورَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنْ يَدُلَّ الْحِسَابُ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ رُؤْيَتِهِ وَيُدْرَكُ ذَلِكَ بِمُقَدَّمَاتٍ قَطْعِيَّةٍ وَيَكُونُ فِي غَايَةِ الْقُرْبِ مِنْ الشَّمْسِ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُمْكِنُ فَرْضُ رُؤْيَتِنَا لَهُ حِسًّا لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فَلَوْ أَخْبَرَنَا بِهِ مُخْبِرٌ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَحْتَمِلُ خَبَرُهُ الْكَذِبَ أَوْ الْغَلَطَ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ قَبُولُ هَذَا الْخَبَرِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْكَذِبِ أَوْ الْغَلَطِ وَلَوْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الْحِسَابَ قَطْعِيٌّ وَالشَّهَادَةَ وَالْخَبَرَ ظَنِّيَّانِ وَالظَّنُّ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ وَالْبَيِّنَةُ شَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ مَا شَهِدْت بِهِ مُمْكِنًا حِسًّا وَعَقْلًا وَشَرْعًا فَإِذَا فُرِضَ دَلَالَةُ الْحِسَابِ قَطْعًا عَلَى عَدَمِ الْإِمْكَانِ اسْتَحَالَ الْقَبُولُ شَرْعًا لِاسْتِحَالَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَالشَّرْعُ لَا يَأْتِي بِالْمُسْتَحِيلَاتِ".

و كانت حجته الرئيسية أن الحسابات الفلكية دقيقة و حاسمة, بينما في الرؤية البصرية هناك دائماً احتمال للخطأ. لذلك فإن الشريعة لن تفضل الطرق الظنية غير الجازمة على الطرق الدقيقة الحاسمة. و قال بأن الشريعة لم تطلب منا الرؤية البصرية المجردة سواءً كانت صحيحة أم خاطئة, فإننا لا يمكن أن نعتمد في صيامنا على كلام الشهود فقط.
- الشريعة لم تطلب ذلك -. التأكد من الخبر أمر واجب, فقد رأينا غير مرة كيف يعطي بعض الناس شهادات غير صحيحة, أحياناً بغير قصد و أحياناً أخرى بقصد بسبب نوايا خفية. كما ذكر:

"وَلَمْ يَأْتِ لَنَا نَصٌّ مِنْ الشَّرْعِ أَنَّ كُلَّ شَاهِدَيْنِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا سَوَاءٌ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ صَحِيحًا أَوْ بَاطِلًا وَلَا يَتَرَتَّبُ وُجُوبُ الصَّوْمِ وَأَحْكَامُ الشَّهْرِ عَلَى مُجَرَّدِ الْخَبَرِ أَوْ الشَّهَادَةِ حَتَّى إنَّا نَقُولُ : الْعُمْدَةُ قَوْلُ الشَّارِعِ صُومُوا إذَا أَخْبَرَكُمْ مُخْبِرٌ فَإِنَّهُ لَوْ وَرَدَ ذَلِكَ قَبِلْنَاهُ عَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ لَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي الشَّرْعِ بَلْ وَجَبَ عَلَيْنَا التَّبَيُّنُ فِي قَبُولِ الْخَبَرِ حَتَّى نَعْلَمَ حَقِيقَتَهُ أَوَّلًا وَلَا شَكَّ أَنَّ بَعْضَ مَنْ يَشْهَدُ بِالْهِلَالِ قَدْ لَا يَرَاهُ وَيُشْتَبَهُ عَلَيْهِ أَوْ يَرَى مَا يَظُنُّهُ هِلَالًا وَلَيْسَ بِهِلَالٍ أَوْ تُرِيهِ عَيْنُهُ مَا لَمْ يَرَ أَوْ يُؤَدِّي الشَّهَادَةَ بَعْدَ أَيَّامٍ وَيَحْصُلُ الْغَلَطُ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي رَأَى فِيهَا أَوْ يَكُونُ جَهْلُهُ عَظِيمًا يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يَعْتَقِدَ فِي حَمْلِهِ النَّاسَ عَلَى الصِّيَامِ أَجْرًا أَوْ يَكُونَ مِمَّنْ يَقْصِدُ إثْبَاتَ عَدَالَتِهِ فَيَتَّخِذُ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى أَنْ يُزَكَّى وَيَصِيرَ مَقْبُولًا عِنْدَ الْحُكَّامِ , وَكُلُّ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ قَدْ رَأَيْنَاهَا وَسَمِعْنَاهَا".

فهو ينصح الفقهاء باتخاذ الحسابات الفلكية بعين الاعتبار و خاصة عندما يشهد الشهود برؤية الهلال في الوقت الذي تثبت فيه الحسابات الفلكية عكس ذلك. كما أنه ينصح بعدم الاكتراث للآراء التي تمنع أو تحرم استخدام الحسابات الفلكية في أمور الدين. و بحسب السبكي أن الشريعة لم تحرم استخدام الحسابات الفلكية أبداً.
"فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ إذَا جَرَّبَ مِثْلَ ذَلِكَ وَعَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ بِخَبَرِ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّ دَلَالَةَ الْحِسَابِ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ أَنْ لَا يَقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَلَا يُثْبِتَ بِهَا وَلَا يَحْكُمَ بِهَا , وَيُسْتَصْحَبُ الْأَصْلُ فِي بَقَاءِ الشَّهْرِ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ مُحَقَّقٌ حَتَّى يَتَحَقَّقَ خِلَافُهُ , وَلَا نَقُولُ الشَّرْعُ أَلْغَى قَوْلَ الْحِسَابِ مُطْلَقًا".

كان السبكي منتبهاً و حذراً بما فيه الكفاية ليفرق ما بين الحسابات الفلكية الصحيحة والدقيقة و ما يستند إلى الاحتمالات و الحدسات, فهو طلب من القضاة الاجتهاد وخاصة عندما تقطع الحسابات الفلكية بعدم إمكان رؤية الهلال:."وَمَرَاتِبُ مَا يَقُولُهُ الْحِسَابُ فِي ذَلِكَ مُتَفَاوِتَةٌ مِنْهَا مَا يَقْطَعُونَ بِعَدَمِ إمْكَانِ الرُّؤْيَةِ فِيهِ فَهَذَا لَا رَيْبَ عِنْدَنَا فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ بِه وَمِنْهَا مَا لَا يَقْطَعُونَ فِيهِ بِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَلَكِنْ يَسْتَعِدُّونَ فَهَذَا مَحَلُّ النَّظَرِ فِي حَالِ الشُّهُودِ وَحِدَّةِ بَصَرِهِمْ وَيَرَى أَنَّهُمْ مِنْ احْتِمَالِ الْغَلَطِ وَالْكَذِبِ يَتَفَاوَتُ ذَلِكَ تَفَاوُتًا كَبِيرًا وَمَرَاتِبَ كَثِيرَةً فَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الِاجْتِهَادُ وُسْعَ الطَّاقَةِ".

و يقول بأن الحسابات الفلكية أكثر دقة من الرؤية البصرية بالعين المجردة للإنسان و التي يكون احتمال الخطأ فيها أكبر منه في الحسابات الفلكية." إذَا شَهِدَ عِنْدَنَا اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَجُوزُ كَذِبُهُمَا أَوْ غَلَطُهُمَا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَقَدْ دَلَّ حِسَابُ تَسْيِيرِ مَنَازِلِ الْقَمَرِ عَلَى عَدَمِ إمْكَانِ رُؤْيَتِهِ فِي ذَلِكَ الَّذِي قَالَا : إنَّهُمَا رَأَيَاهُ فِيهِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطٌ فِي الْمَشْهُورِ بِهِ وَتَجْوِيزُ الْكَذِبِ وَالْغَلَطِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَجْوِيزِ انْخِرَامِ الْعَادَةِ فَالْمُسْتَحِيلُ الْعَادِيُّ وَالْمُسْتَحِيلُ الْعَقْلِيُّ لَا يُقْبَلُ الْإِقْرَارُ بِهِ وَلَا الشَّهَادَةُ فَكَذَلِكَ الْمُسْتَحِيلُ الْعَادِيُّ".

يعرف الإمام السبكي أن هذه المسألة لم تناقش بتفاصيلها في مذهبه ولا حتى في عصره, لكنه مع ذلك شعر بالارتياح للقول بأن ما ذهب إليه كان استناداً إلى فهمه العميق لهذه المسألة:
"وَلَمْ نَجِدْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةً لَكِنَّا تَفَقَّهْنَا فِيهَا وَهِيَ عِنْدَنَا مِنْ مُحَالِ الْقَطْعِ مُتَرَقِّيَةٌ عَنْ مَرْتَبَةِ الظُّنُونِ".

على ما يبدو أن السبكي كان سابقاً لعصره, ويبدو أنه قام بمناظرات شديدة مع بعض العلماء بشكل فردي بالنسبة لمسألة الحسابات الفلكية. فهو يعتبر مجتهداً في مذهبه و قد تضمن كلامه الملاحظات التالية:
"قَدْ يَحْصُلُ لِبَعْضِ الْأَغْمَارِ وَالْجُهَّالِ تَوَقُّفٌ فِيمَا قُلْنَاهُ وَيَسْتَنْكِرُ الرُّجُوعَ إلَى الْحِسَابِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا وَيَجْمُدُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدَانِ يَثْبُتُ , وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا خِطَابَ مَعَهُ وَنَحْنُ إنَّمَا نَتَكَلَّمُ مَعَ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَبَصُّرٍ وَالْجَاهِلُ لَا كَلَامَ مَعَهُ".

أما الدكتوريوسف القرضاوي فإنه يتساءل عن ماذا سيكون رأي السبكي بالنسبة للحسابات الفلكية إذا ما علم بالتقدم و التطور الذي وصل إليه هذا العلم في أيامنا هذه:
"فكيف لو عاش السبكى إلى عصرنا هذا ورأى من تقدم علم الفلك ... كما أشرنا إالى بعضه؟"

بعض الفقهاء مثل العبادي و ابن دقيق وافقوا السبكي أيضاً فيما ذهب إليه بالنسبة للحسابات الفلكية.
و ذكر زكريا بن محمد الأنصاري: " لَكِنْ نَقَلَ الْقَلْيُوبِيُّ عَلَى الْجَلَالِ عَنْ الْعَبَّادِيُّ أَنَّهُ قَالَ إذَا دَلَّ الْحِسَابُ الْقَطْعِيُّ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الشُّهُودِ الْعُدُولِ بِرُؤْيَتِهِ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ بِهَا وَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ حِينَئِذٍ وَمُخَالَفَةُ ذَلِكَ مُعَانَدَةٌ وَمُكَابَرَةٌ".
و روى القليوبي:
"بَلْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَبَّادِيُّ : إنَّهُ إذَا دَلَّ الْحِسَابُ الْقَطْعِيُّ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَتِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْعَدْلِ لِرُؤْيَتِهِ , وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ بِهَا انْتَهَى . وَهُوَ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ وَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ حِينَئِذٍ وَمُخَالَفَةُ ذَلِكَ مُعَانَدَةٌ وَمُكَابَرَة"ٌ

ذكر ابن حجر العسقلاني أن ابن دقيق العيد قال أنه إذا أثبتت الحسابات الفلكية أن الهلال موجود و يمكن رؤيته لكن الطقس الغائم يحول دون ذلك, ففي هذه الحال يصبح الصوم فرضاً لوجود السبب الشرعي.
"وَأَمَّا إذَا دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ طَلَعَ عَلَى وَجْهٍ يُرَى , لَكِنْ وُجِدَ مَانِعٌ مِنْ رُؤْيَتِهِ كَالْغَيْمِ , فَهَذَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِوُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيّ".ِ

و هذا نص ما قاله ابن دقيق العيد: "وَأَمَّا إذَا دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ طَلَعَ مِنْ الْأُفُقِ عَلَى وَجْهٍ يُرَى , لَوْلَا وُجُودُ الْمَانِعِ - كَالْغَيْمِ مِثْلًا فَهَذَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ , لِوُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ . وَلَيْسَ حَقِيقَةُ الرُّؤْيَةِ بِشَرْطٍ مِنْ اللُّزُومِ ; لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَحْبُوسَ فِي الْمَطْمُورَةِ إذَا عُلِمَ بِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ , أَوْ بِالِاجْتِهَادِ بِالْأَمَارَاتِ : أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ , وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَإِنْ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ . وَلَا أَخْبَرَهُ مَنْ رَآهُ".

حتى أن بعض الفقهاء الحنفية مثل محمد بن مقاتل و غيره لم يكتفوا بتبني هذا الرأي فحسب بل عمدوا إلى استشارة علماء الفلك و قبول حساباتهم في تعيين التقويم القمري. يقول ابن عابدين:
"قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا رحمهم الله لَا بَأْسَ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُهُمْ وَيَعْتَمِدُ عَلَى قَوْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ يَتَّفِقَ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ".

كما قبل أبو قاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري, المتوفى ( 465 ) هجري, العالم الحنفي المشهور و الصوفي المعروف, بالحسابات الفلكية لإثبات شهر رمضان إذا كان الطقس غائماً مثل ابن دقيق العيد. لكون الطقس الغائم هو السبب الشرعي الحقيقي لقبول الحسابات الفلكية.
"وَقَالَ الْقُشَيْرِيُّ : " إذَا دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ طَلَعَ مِنْ الْأُفُقِ عَلَى وَجْهٍ يُرَى لَوْلَا وُجُودُ الْمَانِعِ كَالْغَيْمِ مَثَلًا , فَهَذَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ لِوُجُودِ السَّبَبِ الشَّرْعِيِّ".

أما أحمد أمين بن عمر بن عابدين فقد ذكر الاختلافات في الرأي بين علماء الحنفية حول مسألة الحسابات الفلكية.
"الْخِلَافُ فِي جَوَازِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِمْ , وَقَدْ حَكَى فِي الْقُنْيَةِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فَنَقَلَ أَوَّلًا عَنْ الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ, وَصَاحِبِ جَمْعِ الْعُلُومِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِمْ , وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُهُمْ وَيَعْتَمِدُ عَلَى قَوْلِهِمْ إذَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ".

إنه لمن الواضح من خلال المناقشة السابقة أن علماء معروفين و متخصصين في المدارس الشافعية و الحنفية و المالكية قد تبنوا الترخيص و العمل باستخدام الحسابات الفلكية في بعض الأمور مثل إثبات بداية أو نهاية شهر رمضان, و كما يبدوا فإن هؤلاء العلماء قد اعتمدوا استخدام تلك الحسابات لرفض إثبات دخول الشهر بدلاً من قبوله.
أيضاً علماء مثل ابن دقيق العيد و محمد بن مقاتل الرازي قد سمحوا باستخدام تلك الحسابات للإثبات في حالة الإغمام أي الطقس الغائم.
في الوقت الحاضر و في عصرنا هذا الأشياء تتغير بسرعة, لذلك رأى بعض العلماء المعاصرين مثل الشيخ محمد مصطفى المراغي, و الشيخ علي الطنطاوي, و أحمد شاكر و مصطفى الزرقاء و شرف القضاة و غيرهم, رأوا أن علم الفلك و علم الحسابات الفلكية الحديث قد وصل إلى مستوى من الصحة و اليقين لا يحتاج معه إلى الرؤية البصرية للهلال بالعين المجردة. فالشريعة طالبت بالرؤية في الوقت الذي كانت فيه معظم الأمة الإسلامية أمية, لا تتقن بالفلك و العلوم المتعلقة به و بالحسابات الفلكية, أما و قد وصلنا في أيامنا هذه إلى هذا المستوى من الدقة و الصحة فيجب علينا أن نتخذ الحسابات الفلكية وسيلة لإثبات الشهور الإسلامية دون الحاجة إلى اللجوء للرؤية البصرية.

أضاف الشيخ أحمد شاكر أن الأمر بالاعتماد على الرؤية الباصرة بالعين المجردة فقط هو أمر مشروط, والشرط هو أن الأمة الإسلامية لم تكن تكتب ولا تحسب. ذكر الحافظ ابن حجر ذلك بقوله:
" والمراد أهل الإسلام الذين بحضرته عند تلك المقالة، وهو محمول على أكثرهم، أو المراد نفسه صلى الله عليه وسلم. وقيل للعرب اميون لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة. قال الله تعالى {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم} ولا يرد على ذلك أنه كان فيهم من يكتب ويحسب لأن الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة. والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضاً إلا النزر اليسير، فعلق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير".

على ضوء هذه الحقيقة التاريخية قال أحمد شاكر أنه من القواعد الثابتة في أصول الفقه الإسلامي قاعدة ( اقتران السبب بالمسبب ) أي اقتران الأمور بعلاتها. فإذا ما كانت الأمة قد خرجت الآن من أميتها و صارت تكتب و تحسب, فيجب أن يتبدل الحكم بتبدل الحال.
"لأن الأمر باعتماد الرؤية وحدها جاء معللا بعلة منصوصة، وهى أن الأمة (أمية لا تكتب ولا تحسب)، والعلة تدور مع المعلول وجودا وعدما، فإذا خرجت الأمة عن أميتها، و صارت تكتب و تحسب، أعنى صارت فى مجموعها ممن يعرف هذه العلوم، و أمكن الناس _ عامتهم و خاصتهم _ أن يصلوا إلى اليقين والقطع فى حساب أول الشهر، و أمكن أن يثقوا بهذا الحساب ثقتهم بالرؤية أو أقوى... وجب أن يرجعوا إلى اليقين الثابت، و أن يأخذوا فى إثبات الأهلة بالحساب وحده، و ألا يرجعوا إلى الرؤية إلا حين يستعصى عليهم العلم به".

و تابع قائلاً أن بداية ولادة القمر هي بداية الشهر.
"وإذا وجب الرجوع إلى الحساب وحده بزوال علة منعه، وجب أيضا الرجوع إلى الحساب الحقيقى للأهلة، وإطراح إمكان الرؤية و عدم إمكانها، فيكون أول الشهر الحقيقي الليلة التي يغيب فيها الهلال بعد غروب الشمس، و لو بلحظة واحدة".

و ذكر أن اعتماد الحسابات الفلكية بدلاً عن الرؤية البصرية في إثبات الشهور الإسلامية هو الرأي الفقهي الأصح في وقتنا الحاضر وهو مصداق لنفس الروح النبوية التي وردت في الأحاديث المتعلقة بهذا الشأن.
"ولقد أرى قولى هذا أعدل الأقوال، وأقربها إلى الفقه السليم، و إلى الفهم الصحيح للأحاديث الواردة فى هذا الباب".

بعد مناقشة تفصيلية للموضوع خلص الشيخ مصطفى الزرقاء إلى أنه لا يوجد أي مانع في الشريعة يحظر على المسلمين في وقتنا الحالي قبول الحسابات الفلكية فيقول:
"وما دام من البديهات أن رؤية الهلال الجديد ليست فى ذاتها عبادة فى الإسلام، و إنما هي وسيلة لمعرفة الوقت، وكانت الوسيلة الوحيدة الممكنة فى أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، و كانت أميتها هي العلة فى الأمر بالاعتماد على العين الباصرة، وذلك بنص الحديث النبوي مصدر الحكم، فما الذي يمنع شرعا أن نعتمد الحساب الفلكي اليقيني، الذي يعرفنا مسبقا بموعد حلول الشهر الجديد، ولا يمكن أن يحجب علمنا حينئذ غيم ولا ضباب إلا ضباب العقول؟"

لقد أوضح الدكتور القرضاوي هذه المسألة بعد دراسة وافية لها, و قال أن الدين الإسلامي الذي اتخذ الرؤية البصرية للقمر على أنها الطريقة المعتمدة لإثبات شهر رمضان من المؤكد أنه سيقبل الحسابات الفلكية كطريقة صحيحة معتمدة, خاصة و أن احتمال الخطأ وارد دائماً في الرؤية البصرية بالعين المجردة و ليس الحال هكذا بالنسبة للدقة التي تتمتع بها الحسابات الفلكية. لذا فإن قبول هذه الحسابات يسير في الاتجاه نفسه مع روح الشريعة الإسلامية, والأمة تستطيع أن تتجنب الكثير من المشاكل و الأخطاء و الاختلاطات باتباعها للحسابات الفلكية. يقول القرضاوي:
"إن الأخذ بالحساب القطعي اليوم وسيلة لإثبات الشهور، يجب أن يقبل من باب "قياس الأولى" بمعنى أن السنة التى شرعت لنا الأخذ بوسيلة أدنى، لما يحيط بها من الشك والاحتمال - وهي الرؤية - لا ترفض وسيلة أعلى و أكمل و أوفى بتحقيق المقصود، و الخروج بالأمة من الاختلاف الشديد فى تحديد بداية صيامها و فطرها و أضحها... وهي وسيلة الحساب القطعي".

الدكتور شرف القضاة ناقش هذه المسألة و قال أن النصوص التي سمحت باستخدام الحسابات الفلكية كطريقة معتمدة لإثبات الشهور الإسلامية هي في الواقع لم تفرق بين إثبات دخول الشهر أو إنكاره. فهذه النصوص عامة, فقال:
"فالنصوص الشرعية لم تفرق بين النفي و الإثبات في الأخذ بالحساب والتقدير، و بخاصة حديث (فإن غم عليكم فاقدروا له) ففي الحديث أمر بالتقدير لإثبات الشهر، و ليس لنفي الشهادة، و أما علميا فلا فرق في دقة الحساب وقطعيته بين حساب إثبات دخول الشهر، و حساب نفي دخوله. و هكذا فإن الراجح في عصرنا أن اعتماد التقدير والحساب يكون للنفي والإثبات سواء بسواء".

أما مصطفى عبد الباسط فقد قال أن الحسابات الفلكية هي المقصودة في الشريعة الإسلامية لكن الرؤية البصرية كانت مستخدمة فيما مضى بسبب عدم قابلية الأمة في ذلك الوقت لمعرفة الحسابات الفلكية الصحيحة والدقيقة. لهذا فالشهور الإسلامية يجب أن تثبت بالحسابات الفلكية لتفادي وقوع المشاكل و العقبات المرافقة للرؤية البصرية.

و في البيان الختامي للدورة العادية السابعة عشرة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقدة بمدينة سراييفو / البوسنة والهرسك في الفترة 28 ربيع الآخر – 2 جمادى الأولى 1428هـ الموافق 15-19 أيار (مايو) 2007 م, أصدر المجلس الفتوى التالية:
"وأعطى المجلس فقرة خاصة للاعتناء بموضوع (الأهِلَّة)، وذلك من أجل إصدار صيغة مناسبة تدفع عن المسلمين في أوروبا العنت وتحد من الاختلاف الذي يتكرر وروده كل عام، خصوصاً في بدء شهري رمضان وشوال، وتم تناول ذلك بأبحاث خاصة في الموضوع، وهي حسب ما يلي:
1 – تعيين أوائل الشهور القمرية بين الرؤية والحساب. للدكتور محمد الهواري.
2 – ثلاث مسائل حول الهلال. للشيخ عبدالله الجديع.
3 – السبب الشرعي لوجوب صيام رمضان: هل هو دخول الشهر أم رؤية الهلال؟ للشيخ فيصل مولوي.
4 – رؤية علمية وتربوية حول رؤية الأهلة. للدكتور صلاح سلطان

قرار 4/17
إثبات دخول الشهور القمرية
استعرض المجلس مجموعة من الأبحاث بخصوص هذا الموضوع، وقرر بعد المناقشات المستفيضة ما يلي:
1.         أن الحساب الفلكي أصبح أحد العلوم المعاصرة التي وصلت إلى درجة عالية من الدقة بكل ما يتعلق بحركة الكواكب السيارة وبخاصة حركة القمر والأرض ومعرفة مواضعها بالنسبة للقبة السماوية، وحساب مواضعها بالنسبة لبعضها البعض في كل لحظة من لحظات الزمن بصورة قطعية لا تقبل الشك.
2.         أن لحظة اجتماع الشمس والأرض والقمر أو ما يعبر عنها بالاقتران أو الاستسرار أو المحاق لحظة كونية تحصل في لحظة واحدة، ويستطيع علم الفلك أن يحسب وقتها بدقة فائقة بصورة مسبقة قبل وقوعها لعدد من السنين، وهي تعني انتهاء الشهر المنصرم وابتداء الشهر الجديد فلكياً. والاقتران يمكن أن يحدث في أي لحظة من لحظات الليل والنهار.
3.         يثبت دخول الشهر الجديد شرعياً إذا توافر ما يلي:
أولاً)      أن يكون الاقتران قد حدث فعلاً.
ثانياً)      أن يتأخر غروب القمر عن غروب الشمس ولو بلحظة واحدة مما يعني دخول الشهر الجديد، وهو قول قال به علماء معتبرون ويتوافق مع الظواهر الفلكية المعتبرة.
ثالثاً)      اختيار موقع مكة المكرمة الجغرافي أساساً للشرطين المذكورين.
4.         على البلاد الأوروبية أن تأخذ بهذه القاعدة في دخول الشهور القمرية والخروج منها وبخاصة شهرا رمضان وشوال وتحديد مواعيد هذه الشهور بصورة مسبقة، مما يساعد على تأدية المسلمين عباداتهم وما يتعلق بها من أعياد ومناسبات وتنظيم ذلك مع ارتباطاتها في المجتمع الذي تعيش فيه.
5.         يوصي المجلس أعضاءه وأئمة المساجد وعلماء الشريعة في المجتمعات الإسلامية وغيرها بالعمل على ترسيخ ثقافة احترام ما انتهى إليه القطعي من علوم الحساب الفلكي عندما يقرر عدم إمكانية الرؤية، بسبب عدم حدوث الاقتران، أن لا يُدعى إلى ترائي الهلال، ولا يقبل ادعاء رؤيته.
سيصدر المجلس – إن شاء الله – تقويماً سنوياً يحدد بداية الشهور القمرية ونهايتها استناداً إلى هذا القرار."”

على ضوء ما تقدم من المناقشة السابقة فإننا نستخلص النقاط التالية:

أولاً: القول بأن هناك إجماع بين الفقهاء على رفض الحسابات الفلكية و عدم الثقة بصحتها في كل طرقها و أساليبها سواءً فيما يتعلق ببداية الشهور الإسلامية أو نهايتها هو قول عار عن الصحة والواقع و التاريخ. إذاً مع أنه لا يوجد إجماع بين الفقهاء لكن الجمهور تبنى هذا الرأي الرافض بسبب عدم دقة الحسابات الفلكية في أيامهم و بسبب بعض التأثيرات السلبية المحتملة و المتعلقة بقضايا أخرى في العقيدة.

ثانياً: هناك مجموعة من العلماء و الفقهاء المعروفين في المدارس الفقهية الثلاثة باستثناء المدرسة الحنبلية كانوا يقبلون الحسابات الفلكية حتى في أيامهم تلك. و كانوا يجادلون لإثبات صحة قبول الحسابات جزئياً أو كلياً.

ثالثاً: علم الفلك الحديث قد وصل إلى مستوى عال من الدقة والصحة بحيث يستطيع تأكيد أو نفي ولادة القمر, وجوده و عدم وجوده في الأفق حيث أن ذلك سهل للغاية.
هذا الأسلوب العلمي هو بلا ريب أكثر مصداقية و صحة من العين المجردة للإنسان.

رابعاً: عدد العلماء الذين يقولون باعتماد الحسابات الفلكية جزئياً أو كلياً في ازدياد مطرد يوماً بعد يوم, و هذا لما في تلك الحسابات من يسر و سهولة اجتماعية و اقتصادية و بما يترتب عليه من فوائد اجتماعية.

خامساً: بعض العلماء المعاصرين الذين يتبعون في تفسيرهم المعنى القريب الظاهر للحديث النبوي كعلماء الحنبلية السلفية مثل أحمد شاكر, هو أيضاً قبل هذه الرؤية. وفي الواقع أنه يدعم الرأي القائم على اعتبار الحسابات الفلكية هي الطريقة الوحيدة الصحيحة و الدقيقة و الشرعية لاتباع السنة الشريفة في أيامنا. ذكر أحمد شاكر ذلك في 1939.

سادساً: إن ولادة القمر الجديد هي فقط علامة نعرف من خلالها الوقت, حيث أن للقمر بداية و نهاية واضحة خلال مساره في فلكه حول الأرض. نقطة البداية هي نقطة الولادة, وهي الطريقة الأكثر دقة التي نستطيع من خلالها إثبات الشهور و السنين الإسلامية في وقت مبكر اعتماداً على الحسابات الفلكية الدقيقة. لهذا لا يوجد أي خطأ في اتخاذ ولادة القمر الجديد كمبدأ أو علامة لبداية الشهر الجديد.
و عند الإتفاق على أن الدقة و اليقين بدخول الشهر هي هدف الشريعة الإسلامية و ليس الهدف هو الرؤية لمجرد الرؤية, عندها نعرف أن إضاعة أوقاتنا في النقاش حول ظهور أو عدم ظهور القمر أمر غير مجد. لذا يجب أن نتخذ ولادة القمر أصلاً معتمداً و سببا شرعيا لإعلان التقويم الإسلامي في وقت مبكر جداً.

سابعاً: توقيت ( جرينتش ) هو توقيت قائم على أسس اعتباطية, و مع ذلك فهو مقبول عالمياً لتسهيل التوقيت و التأريخ. فهو لا يتضمن أي مبادئ شرعية على الاطلاق, لكن من الناحية الأخرى نرى أن مكة هي قبلة المسلمين جميعاً و تتمتع بأهمية أكبر من توقيت ( جرينتش ), لذلك فإن على المسلمين أن يتخذوا مكة كأساس لإثبات الشهور الإسلامية. فالشهر الجديد سيبدأ عندما يولد القمر الجديد قبل غروب الشمس في مكة و يبقى في الأفق حتى بعد غروب الشمس و لو بوقت قليل. كل العالم الإسلامي سيبدأ الشهر الجديد خلال أربع و عشرين ساعة من ولادة القمر الجديد في مكة.

و بسبب كل ما تقدم فإنني أرى أن قبول الحسابات الفلكية لإثبات دخول شهر رمضان أو عدم دخوله يسير في فلك السنة, و لا ينفصل عن روح الشريعة الإسلامية بأي حال من الأحوال. بل هو ربما الطريقة الوحيدة التي في متناول أيدينا و التي إذا تم تطبيقها فستحقق الأهداف الإسلامية من دقة في التوقيت و وحدة بين المسلمين. و الله أعلم بالصواب.

د. ذو الفقار علي شاه.
عضوالمجلس الفقهي لأمريكا الشمالية
و رئيس رابطة علماء الشريعة بأمريكا الشمالية (سابقا)
الولايات المتحدة الأمريكية.

Muhammad Syafii Tampubolon | Buat Lencana Anda
Share this post :
 
Media Islami : Jejak Dakwah | Meja Redaksi | Pimpred
Copyright © 2011. mastampu - All Rights Reserved
Template Created by Creating Website Penulis Tetap Mhd. Syafi'i Tampubolon dan Ekta Yudha Perdana
Hosting Google